بغية اصلاح المنظومة التعليمية حاولت وزارة التربية الوطنية إرساء وتعميم العمل بـمشروع المؤسسة كآلية جديدة للتسيير وكأداة للتعاقد البيداغوجي التربوي للعملية التربوية التعليمية. ولإخراج المنظومة كذلك من التسييير الارتجالي واعتماد التخطيط اللامركزي والمحلي، منحت الوزارة مجالس التدبير بالمؤسسات التعليمية صلاحية اعداد مخطط للمؤسسة على مدى ثلاث سنوات.
غير أن تنزيل مشروع المؤسسة بالمغرب تعيقه عدة اكراهات، من تخطيط وتنفيذ مشروع المؤسسة منها
ما هو مادي وبشري (تكويني وتنظيمي)، وهو ما يستوجب التدخل لإنجاح تنزيل هذا الاخير.
اكراهات مشروع المؤسسة بالمغرب
1. شح الموارد المالية للمؤسسة التعليمية.
تعاني
مجمل المؤسسات التعليمية (المدرسة، الإعدادية والثانوية) من ضعف الموارد المالية، وهو الشيء الذي قد يدفع المدراء إلى
عدم تبني استراتيجية المشروع كآلية للتخطيط والتدبير والاشتغال، بدعوى نقص الموارد
المالية وشح مصادر التمويل وتأخر منح وتفعيل صفة مصلحة الدولة للمؤسسة التعليمية
وتجريد المرفق التعليم العام من صفة الشخصية المعنوية التي تحرمه من تلقي الهبات
والمساعدات المالية النقدية…1 وإذا سلمنا بهذه التبريرات
في انتظار تحديث النصوص القانونية وتكييفها مع مقتضيات الدعوة إلى التجديد التربوي
الإداري وما جاءت به من مستجدات في المجالين: الديداكتيكي والإداري التربوي، فإن
هذه الأعذار برمتها تثني عزائم الكثير من المديرين وتدفعهم إلى الإعراض التام عن
إنجاز مشاريع المؤسسة من الحجم الصغير أو المتوسط… خصوصا إذا افتحصنا مكون ميزانية
المؤسسة التعليمية وجدناها تتشكل من الموارد الآتية:
موارد خاصة: تستخلص من رسوم التسجيل والتأمين المدرسي والرياضي وانخراط
الجمعية الرياضية المدرسية واستعارة الكتب وضمانها. وبالنسبة للمؤسسات المتوفرة
على قسم داخلي تستفيد ميزانيتها من رسوم إضافية متعلقة بالذخائر وواجبات المائدة
والإقامة والكفالة.
موارد إضافية: وهي عبارة عن دعم مادي ومالي يقدم من طرف الأكاديمية إلى
المؤسسات التي لا تتوفر على مصادر تمويل كافية لتغطية مصاريف مشاريع في مجالات
متعددة ويكون على شكل: اعتماد للتسيير والصيانة الخارجية؛ اعتماد التغذية؛ ومساعدات للتحكم في تسيير القسم الداخلي.
موارد استثنائية: وتنظم هذا الموارد مذكرات وزارية، فتحصر مصادره في تعويض المتلف
والقروض والتسبيق ومداخيل طارئة. ويمكن دعم ميزانية التسيير بموارد أخرى كمداخيل
الشراكة البيداغوجية واتفاقيات التعاون واستغلال فضاءات وممتلكات المؤسسة رغم عدم
وضوح الرؤية القانونية التي تبيح ذلك…
لهذا، فمحدودية هذه الموارد والتدبير الراشد لها يتوقف على تحديث النصوص القانونية وتطويعها، والإشراك
الفعلي للمجالس وخاصة مجلس التدبير، والانفتاح على المحيط بمكوناته
المتعددة وعلى التفويض والتفاوض وتوسيع قاعدة تشغيل فريق العمل في أفق تنمية
الموارد وسد النقص وتلبية الحاجة المتزايدة في اتجاه عقلنة الصرف وترشيد النفقات
وتقنين الاستخلاص وتعداد روافده. 2
من
هنا، يصبح واجبا على كل المتدخلين في مشروع المؤسسة محاولة إزالة العوائق التي
تحول دون تفعيل المشروع، أي لابد للجماعات الترابية بمختلف سلاليمها والمجتمع المدني والمؤسسات
الاقتصادية التدخل للمساهمة في تمويل مشاريع قطاع التربية والتكوين من أجل الاستثمار في
العنصر البشري.
2. ضعف الموارد التنظيمية والإدارية.
يعيق
إنجاح مشروع المؤسسة عدة معيقات مرتبطة بالبنية الإدارية 3 بأصنافها، منها ما هو مرتبط بضعف التكوين وضعف التخطيط والتدبير، وضعف المستوى
المنهجي. إذ غالبا ما يتم تغييب المقاربة التشاركية نظرا لغياب أو ضعف عناصر فريق
العمل (مجلس التدبير) ، وانحسار هامش تداول مفاهيم الفكر الإداري التربوي ونقص
تكوين مدراء 4 ومعظم هيئة الإدارة، وافتقارها لمؤهلات التسيير والإدارة المهنية (بفعل قلة الدورات التدريبية المخصصة لرفع
الكفاءة الإدارية لدى المشرفين التربويين) باستثناء إطار المقتصد الذي يكون مكونا نسبيا على مستوى
التقني، لكنه يفتقد إلى إبداع مشاريع المؤسسة. وإذا كان إسناد مهمة الإدارة
التربوية لهيئة التدريس ضرورة أملتها طبيعة العمل التربوي داخل المؤسسة التعليمية،
فإنه من المفروض إخضاع هيئة التأطير التربوي لتكوين إداري تربوي متين يستوعب
أساسيات المهام المنوطة بها ويشمل مجالات: التدبير، التواصل، القانون الإداري،
المحاسبة، علم النفس والاجتماع والتربية. ثم دعمها بأطر متخصصة كالمرشد النفسي، المساعد
الاجتماعي، المنشطين وفعاليات أخرى بحسب الحاجة. كل هذا قصد تحسين الأداء والرفع
من الكفاءة الداخلية والخارجية للمؤسسة التعليمية.5
إن تحسين
الكفاءة الإدارية لاشك أنها ستعمل على تطوير مشاريع المؤسسة ومخططاتها، غير أنها
ليست كافية، مما يقتضي رصد بدائل أخرى أكثر نجاعة. فما هي بعض هذه البدائل؟
نحو تجاوز اختلالات ومعيقات مشروع المؤسسة وتصحيح الوضعيات
إذا كان مشروع المؤسسة يعتبر مخططا استراتيجيا يشمل فعليا مجموعة من العمليات والإجراءات التي تنبني على تشخيص واقع المؤسسة التعليمية، والتي تروم تحقيق جملة من الأهداف التربوية المسطرة في إطار من التعاون والتشارك والعمل الجماعي، فإنه يجب العمل على نشر ثقافة المشروع، اجتماعيا واقتصاديا وتربويا، وذلك بانتهاج أسلوب الإقناع والاقتناع مع إبراز أهمية العمل الجماعي وترسيخ الثقة لدى الفرد في المخططات المستقبلية، وانخراط مختلف الأطراف في الإنتاج كل وفق تخصصاته وقدراته وقناعاته الشخصية.
إن ضمان استمرارية مشروع المؤسسة، وعدم تسرب الملل والإحباط إلى نفوس المنخرطين فيه من أجل تحقيق أهداف المشروع، يفرض انتهاج أسلوب التقييم المستمر خلال عدة مراحل، ونشر النتائج المحققة، وإبراز التغييرات المرحلية وملامسة التحسنات الطارئة، لحفز المنخرطين وإقناع الآخرين، مع وضع جرد للوضعيات التي تتطلب تركيزا واهتماما خاصين لتجاوز الصعوبات والمشاكل التي تعترض إنجاز المشروع من أجل السير قدما نحو الارتقاء إلى الأفضل.
إن مشروع المؤسسة عمل جماعي بامتياز، ويمكن اجمال مبادئه في: التشاور والتشارك والمساواة والإنصاف. ومعيقاته فهي: التمايز والإقصاء والتهميش. أما دعاماته، فتتمثل في زرع الثقة والاقتناع والانخراط والحفز من أجل الاستمرارية، ونشر ثقافة المشروع، بشكل عام، اجتماعيا واقتصاديا وتربويا...6 لهذا، فإن إنجاح المشروع وإعطاءه قيمة يقف على التطوع والمبادرة الفردية. فالمتطوع يعتبر نفسه يقوم بعمل إضافي ووفق ما يحلو له، ومقابل امتيازات معينة، يتم التفاوض حولها. وذلك من قبيل الاستفادة من جدول حصص مخفف، أو التغيب لقضاء مآرب شخصية...7
هكذا، يتطلب إنجاح مشاريع المؤسسة تغيير النظرة الاستهلاكية إلى قطاع التعليم وتحفيز أطره واعتباره منجما حقيقيا لا ينضب لاستغلال طاقات الإنسان على طريق تحقيق التوازن بين استيراد التكنولوجيا وتدبير الموارد البشرية المحلية بلوغا للتنمية البشرية الشاملة. 8
هكذا، يتطلب إنجاح مشاريع المؤسسة تغيير النظرة الاستهلاكية إلى قطاع التعليم وتحفيز أطره واعتباره منجما حقيقيا لا ينضب لاستغلال طاقات الإنسان على طريق تحقيق التوازن بين استيراد التكنولوجيا وتدبير الموارد البشرية المحلية بلوغا للتنمية البشرية الشاملة. 8
مسك الختام
عموما، يمكن ان نستخلص أن معيقات تنزيل مشروع المؤسسة مركبة وبنيوية، ترتبط بمجالات عدة متفرعة فمنها ما هو تعليمي وإداري واقتصادي واجتماعي بالبلاد. وفشل هذا المشروع ليس نتيجة عدم توفر الموارد المالية أو ضعفها فقط، بل نتيجة ضعف التكوين، وضعف فكر التخطيط المقاولاتي الذي يتطلب أشياء كثيرة قد لا تتوفر في أطر المؤسسات التعليمية. أمام هذا العائق المادي والبشري، لابد للجماعات الترابية والمجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية التدخل للمساهمة في تمويل قطاع التربية والتكوين من أجل الاستثمار في العنصر البشري باعتباره محرك عجلة التنمية.
المصادرالمعتمدة في تدوين هذا المقال:
2محمد ابراهيمي، 2008، "المرجع
السابق.
3 نقصد بالإدارة تلك الجهود الفنية والإدارية التي يقوم بها مدير المدرسة ومعاونوه وفق تنظيم معين
يتم فيه تنسيق الإمكانات المادية والبشرية المتاحة لتحقيق أهداف مرسومة تخدم
المدرسة ومشروعها .
4 أوكلت المادة 149 من الميثاق الوطني
للتربية والتكوين لمدير المؤسسة مهمة الآمر بالصرف والاستخلاص تحت مراقبة مجلس التدبير،
ومنحه الفصل 11 من المرسوم رقم 376- 02 – 2 صفة الإشراف على التدبير المادي
والمالي والمحاسبي.
5
محمد ابراهيمي، 2008، "المرجع السابق.
6 مبارك النهاري، (مفتش في التوجيه التربوي) " مشروع المؤسسة بين اختلالات البلورة ومعيقات الإنجاز" ، مقال منشور بالانترنت.
7 مبارك النهاري، نفس المرجع.
8 محمد ابراهيمي، 2008، مرجع سابق.
مقالات ذات صلة:
مقالات ذات صلة: